منصة إعلامية شاملة متجددة على مدار الساعة

القوة الضاربة

إذا كان لأمة أن تفتخر بكونها قوة ضاربة في شئ ما، فأكيد أن القوة العسكرية هي أخر ما يمكن أن يفتخر به. فالأمم الراقية والعريقة  لا تفتخر بكونها  قوة ضاربة – وإن كانت كذلك – مبنية على أسس و مقومات لا تملكها و لا تملك مسبباتها. فالأمم تتنافس وتتصارع في مجالات أخرى تعود بالنفع على أفرادها و على الأمم الأخرى . فالقوة الضاربة للأمم  تكون في علومها و علمائها و ما أضافت للبشرية من ابتكارات. القوة الضاربة للأمم تكون في عاداتها و ثراتها الذي يجعلها قبلة  لمختلف شعوب الأرض للإستمتاع بأشياء مختلفة لم يتعودوا عليها ، القوة الضاربة تكون في غنى ثقافتها و اختلافها  الذي تثري به الرأسمال اللامادي للإنسانية، القوة الضاربة تكون في تعايش و تسامح مختلف مكوناتها المجتمعية سواء العرقية أو الدينية أو الإجتماعية أو الإيديولوجية أو السياسية من أجل هدف و احد و موحد وهو السعي لتحقيق العيش الكريم لمختلف مكوناتها .

القوة الضاربة تكون في حركية الأمم وقدرتها على مسايرة الفكر العالمي المتجدد باستمرار وعدم انحصارها في الأفكار و الإيديولوجيات القديمة التي انتهت مدة صلاحيتها.القوة الضاربة للأمم هي قدرتها على تلبية حاجيات مواطنيها على الأقل الأساسية و الأولية. القوة الضاربة هي القوة القادرة على  تنويع مصادر ثروتها وعدم رهن مصيرها بمورد واحد مصدره القدرة الإلاهية، هذه الموارد وإن طال الزمان فهي زائلة إن لم يتجاوزها التقدم العلمي.

القوة الضاربة هى القوة القادرة على استشراف المستقبل  والاستعداد له بسياسات تأمن العيش الكريم للمجتمع.القوة الضاربة هي التي تستثمر في أفرادها لا في بنادقها، القوة الضاربة هي التي تميز حلفائها عن أعدائها، القوة الضاربة هي التي تستثمر في جيرانها ولا تعاديهم، القوة الضاربة هي أحرص ما يكون على وحدة جيرانها و توحدهم لأنها تعلم علم اليقين أن الفتنة معدية و عابرة للحدود.

إن التطور السريع الذي تعرفه الإنسانية حاليا فرض إكراهات و رهانات جديدة لم يسبق للبشرية أن عرفتها بل أدى حتى إلي تغيير المفاهيم الكلاسيكية التي كانت سائدة نظرا لتغير السياق العالمي ، وإذا تغير السياق يتغير المعنى و المفهوم. ولعل مفهوم القوة عموما والحروب خصوصا من أكثر المفاهيم تغيرا و تحولا حيث أصبحنا نسمع عن حروب الجيل الثالث و الرابع و الخامس و كدا الحروب السيبرانية ، هاته الحروب التي لم يعد صوت الرصاص و البارود هو الأعلى بقدرما أصبحت قوة المعلومة و تشكيل الرأي العام للشعوب  هي الصوت الذي يعلو و لا يعلى عليه ولنا في حروب شبكات التواصل الإجتماعي ذكرى لمن له ذرة من الإيمان.

ففي الوقت الذي لازال البعض يهدي بالقوة العسكرية كقوة ضاربة كخطاب خارج السياق العالمي فاليوم الحديث هو عن القوى الناعمة كمفهوم جديد للقوة أكثر فعالية لتحقيق استراتيجيات الأمم – التي تملك استراتيجيات طبعا – هاته القوة التي تعتمد على كل ماهو معنوي ولامادي كرأسمال و ترسانة حقيقية لقوتها.هذا المفهوم الجديد للقوة وكما عرفه مبتكره البروفيسور ” جوزيف ناي”  مساعد وزير الدفاع الأمريكي للشؤون الخارجية و الأستاذ في جامعة هارفرد على أنها ( القدرة على الجدب لا عن طريق الإرغام و القهر و التهديد العسكري و الضغط الإقتصادي ولا عن طريق دفع الرشاوي و تقديم الأموال لشراء التأييد و والموالاة) هذا التعريف الجديد لمفهوم القوة ، بقدرما أنتج بعيد الحرب العالمية الثانية بقدر ما يشخص بدقة أعراض الخرف و اليأس الفكري لبعض قادة الدول التي تجعل من شعوبها رهينة لأفكار أكل عليها الدهر وشرب ولا تخدم الإ بقايا أحقاد قديمة لم يستطيعوا دفنها تعمي بصيرتهم وتجعلهم غير قادرين على إنتاج سياسات تصل بشعوبها إلى الرقي المنشود.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.