منصة إعلامية شاملة متجددة على مدار الساعة

الأزمة الروسية-الأكرانية وتداعياتها على قضية الصحراء المغربية

إن التسارع الكبير للإعترافات  الدولية بجدوى المقترح المغربي لحل أزمة الصحراء المغربية كحل واقعي وفعال لهاته الأزمة التي عمرت لما يقارب نصف قرن هو ليس لحظة وعي للضمير العالمي وليس كذلك اختراقا دبلوماسيا مغربيا، بل هي مرحلة إعادة حسابات من طرف قوى عالمية بغية ترميم أو إعادة بناء نظام عالمي جديد.

فالحرب الروسية -الأوكرانية سرعت بشكل كبير وثيرة هذا الإعتراف الدولي عموما  و الأوربي خصوصا بالمقترح المغربي. حيث أن التحالف الأورو-أمريكي  أصبح واعيا اليوم أكثر من أي وقت مضى  أن أمنه الطاقي على المحك نظرا لارتهانه الكبير لروسيا في هذا المجال كأكبر مزود له بالطاقة وهذا أكبر خطأ استراتيجي لم تكن أوربا و الولايات المتحدة  تتوقع أن تراهن عليه روسيا من أجل إخضاعها لأهدافها الإستراتيجية .

وبما أن الجزائر هي حليف بل مخلب من مخالب الدب الروسي في المنطقة وورقة ضغط بمواردها الطاقية  لا يمكن لأوروبا و حليفتها الولايات المتحدة الأمريكية  أن تثق بها في إطار بحثها عن مصادر طاقية أخرى بديلة لتعويض مصادر الطاقة الروسية والتي  حتما يجب أن لا تكون لها أية  علاقة لا من قريب ولا من بعيد  بالتأثير الروسي.

فرغم الإمكانيات الطاقية للجزائر و التي جعلتها مزودا رئيسيا للعديد من الدول الأوربية خصوصا الجارة الشمالية إسبانيا التي عانت من عبثية السياسات الجزائرية البعيدة كل البعد عن البراغماتية السياسية و الإقتصادية  المطلوبة في العلاقات الدولية خصوصا في جانبها الإقتصادي . هاته  السياسة الجزائرية التي تخضع لمزاج طبقة حاكمة هرمة نخرت الشيخوخة و الخرف عقولها التي توقف إدراكها لمحيطها الجيوسياسي عند مرحلة الحرب الباردة و رافضة لأن تندمل ندوب الماضي المشترك مع المغرب  و الذي كان يبرره سياق تاريخي معين انتفت أسبابه و مسبباته في هاته الظرفية، هاته الطغمة الحاكمة التي جعلت هدفها الأول إنتاج سياسات تعاكس مصالح المغرب حتى لو عبثت بمصالح الجزائر نفسها  لإرضاء عنجهية فارغة و مجد وهمي تجاوزه الزمان و ضدا على مصالح الشعب الجزائري الإقتصادية و الإجتماعية.

فكيف لتكتل اقتصادي ضخم بحجم الولايات المتحدة الأمريكية و أوربا أن يرهن أمنه الطاقي لدولة أختارت  وقف إمداد شركائها الإقتصاديين بالغاز المار عبر أنابيب عابرة للأراضي المغربية ضاربة عرض الحائط بمصالح شعبها أولا واقتصادها ثانيا، هذا الإقتصاد المبني كليا على تصدير الطاقة بفعل السياسات الجزائرية المتعاقبة منذ ميلاد الدولة الجزائرية إبان الستينات والتي عجزت عن تنويع موارده وجعل اقتصاد دولة بأكملها رهين مادة لوحدها.

وفي هذا السياق يجد المغرب نفسه وبقوة الواقعية الاقتصادية و السياسية حليفا موثوقا به لايمكن لأوروبا إلا أن تراهن عليه كبديل لمصادر الطاقة الخاضعة للتأثير الروسي سواء كمصدر نظرا للإكتشافات الطاقية الواعدة بالمغرب أو كذلك  كمعبر لأنابيب الغاز و البترول  الإفريقية كمشروع أنبوب النفط النيجيري العابر للتراب المغربي بالإضافة للدول الإفريقية  الواعدة طاقيا كموريتانيا التي تم الإعلان مؤخرا عن إكتشاف آبار بترولية مهمة بها.

لذلك فإن كل السياسات الأوربية سيعاد النظر فيها جدريا و بشكل سريع بما يلائم و يضمن الأمن الطاقي الأوربي بعيدا عن الإرتهان للمصادر الروسية أو تلك التي تطالها أو من الممكن أن يطالها التأثير الروسي من خلال  الدول التي تعتبر تاريخيا تحت كنفها.

ومن هنا نفسر تسارع وثيرة الإعتراف بعقلانية المقترح المغربي لحل أزمة الصحراء المغربية و المتمثل في منح الأقاليم الصحراوية حكما ذاتيا تحت السيادة المغربية، هذا الإعتراف من التحالف الأورو-أمريكي هو ليس صحوة ضمير ولا إيمان بقضية إنسانية ما، فالأزمة هي هي لم تتغير دوافعها ولا أطرافها منذ اندلاعها بل هي مجرد إعادة ترتيبات وحسابات جيوسياسية دولية لبناء نظام عالمي مستقبلي.

 

  سمير قاص

 

تعليق 1
  1. هشام يقول

    تبارك الله عليك سمير

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.